العلاقات المغربية الإسبانية، شيفرات معقدة تحكمها سنين من العمق التاريخي والتوتر السياسي والقرب الجغرافي ، حيث لا تبعد الواحدةعن الأخرى سوى 14 عشر كيلومترا من مياه المتوسط ؛ هذا القرب الجغرافي لم يساهم في القرب العاطفي والسياسي بقدر ما عزز الحذربين الطرفين نتيجة جروح الماضي و التاريخ التي تستمر حتى الآن متفجرة بين الحين والآخر. فما كادت الجارة الشمالية تستفيق من وقعاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء ، حتى قامت قيامة سياسييها بعد تصريحات رئيس الحكومة المغربيسعد الدين العثماني، في قناة سعودية، حول أحقية المغرب بسبتة ومليلية، ملف لن يتخلى المغرب عنه كما ينوي فتحه حالما ينتهي من ملفالصحراء، حسب ما جاء على لسان العثماني في معرض جوابه عن سؤال محاوره.
هذا التوتر الذي يطفو على سطح العلاقات بين البلدين بين الفينة والأخرى ، حال هذه المرة بين آلاف المغاربة العاملين في جيبي سبتة ومليلية المحتلين وبين أرزاقهم، فحتى بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي في السادس والعشرين من يونيو الماضي، فتح الحدود الخارجية مع 14 دولة، من خارج منطقة شينغن، ومن بينها المغرب، إلا أن معبر “طراخال” ظل مغلقا في وجه العابرين من الجهتين، دون أي مؤشر بأن المعبر سيتم فتحه في أي وقت قريب منذ ذلك الحين.
عمال قانونيون مهددون بالإفلاس والتشرد
يعيش آلاف المغاربة العاملين في سبتة المحتلة بشكل قانوني على أعصابهم منذ قرار غلق الحدود بين المغرب واسبانيا بسبب تفشي وباء كورونا/كوفيد-19، حيث سبق لتنسيقية العمال العاملين بسبتة أن وجهت مراسلة للسيد والي الجهة جهة طنجة تطوان الحسيمة في بداية الأزمة، قصد مناقشة إمكانية السماح لهم بعبور “طراخال” للالتحاق بأعمالهم، مشيرين إلى أنهم يتوفرون على عقود العمل والتأمين والتعويض عن الأبناء والتقاعد والتغطية الصحية، و أن عددا كبيرا من هؤلاء العمال يوجدون في المغرب طيلة فترة الحجر الصحي بدون عمل وبدون مساعدة من الدولة الإسبانية.
كما نبهت المراسلة إلى أن هذه الفئة لديها واجبات داخل سبتة المحتلة والتزامات مع البنوك ومؤسسات القروض الصغرى في المغرب ومصاريف الأسرة وواجبات المؤسسات التعليمية الخاصة، وهم مهددون بفقدان مناصبهم، كون عقود عملهم توشك على الانتهاء.
جواد، عامل مطبخ في مطعم بسبتة ، واحد من هؤلاء ، يقول في حديثه مع “أنفو سوسيال“، “منذ إقفال الحدود شهر مارس الماضي وأنا دونعمل، لم أستفد من أي دعم وقد استنفذت كل مدخراتي و حتى لا نموت أنا وأسرتي الصغيرة جوعا إقترضت فوق ذلك حتى أستطيع إعالتنا“
واستطرد جواد، “لقد وصلت إلى درجة الاكتئاب، دون أي مصدر عيش وبالكاد نستطيع سد الرمق، ولست متأكدا حتى أن رب عملي سيعيدني إلى عملي بعد فتح الحدود لكن على الأقل علي أن أحاول. ودون فتح الحدود قريبا سيطردني صاحب المنزل الذي أكتريه وسأتشرد أنا وأسرتي“
الإغلاق يحول بين تلاميذ وتلميذات ومقاعد الدراسة
الإغلاق لم يطل ضرره فقط العاملين ، فمئات التلاميذ والتلميذات الذين كانوا يتمدرسون بسبتة ويقطنون بمدن الفنيدق أو تطوان، وجدوا أنفسهم دون أي سبيل للالتحاق بمقاعد الدراسة، مع استمرار إقفال الحدود من الجانبين حتى عندما تحسنت الحالة الوبائية، دون أي مؤشر عن انفراج قريب. ما دفع بهم إلى الاحتجاج بمدينة الفنيدق مع بداية الدخول المدرسي مطلع شهر شتنبر من السنة الماضية، لكن لم يجدوا لصرخاتهم آذان صاغية لتستمر معاناتهم لحد اللحظة.
ومن جهتها، فضلت جميلة، طالبة تدرس الاقتصاد بسبتة، البقاء في سبتة وعدم العودة إلى الأراضي المغربية عند إقفال الحدود، “هناك حوالي 500 تلميذ وتلميذة يدرسون بسبتة و يسكنون بالفنيدق و يقطعون معبر باب سبتة كل صباح و مساء، نظراً لصعوبة إيجاد سكن بسبتة، كنت محظوظة لأني استطعت توفير سومة الكراء والتوفيق بين الدراسة وعملي كنادلة بمقهى صغير حتى مع صعوبة ذلك، لكن العديدمن أصدقائي اضطروا إلى العودة للمغرب، إذ أن تأجير شقة 30 متر مربع يبدأ من 450 أورو على الأقل و في أسوء حي.”
تسترسل جميلة، “كنت أتوقع أن يستمر الإغلاق لشهر أو شهرين، لكني عالقة الآن هنا لأكثر من عشرة شهور، لم أرى عائلتي منذ تقريباالعام ، هل تصدق ذلك! لقد أصبحت أفكر جديا بالعبور سباحة إلى الفنيدق أو بليونش، هناك معارف وأصدقاء قد فعلوها حقا بعد أن ضاقو ذرعا من الانتظار“
مغادرة دون حق في العودة
عاد مجموعة من المغرابة العاملين بسبتة إلى اتخاذ بلازا دي لوس رييس كساحة لاحتجاجاتهم، مرة أخرى، حول وضعهم في سبتة، محاصرين منذ إغلاق الحدود مع المغرب وبدون ضمانات بالعودة إلى بلادهم وفي نفس الوقت التمكن من العودة إلى وظائفهم بسبتة. هذا ما يريدونه ، حيث يتعين عليهم دعم أقاربهم، كونهم الدعم المالي الوحيد الذي يتلقونه.
وعرضت عليهم السلطات ممر إنساني ، للعودة إلى ديارهم، لكن هذا قد يعني أن يفعلوا ذلك إلى الأبد ، وألا يستطيعوا العودة إلى سبتة مجددا، وبالتالي يفقدون وظائفهم وكل الأقدمية التي راكموها ، دون الحق في مساعدة البطالة التي توفرها حكومة سبتة، كونهم لا يعتبرون مواطنين إسبان.