يشهد المغرب منذ أسابيع تصعيدًا غير مسبوق من طرف طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، الذين خرجوافي احتجاجات عارمة بمختلف المدن الكبرى، وعلى رأسها الرباط، الدار البيضاء، وطنجة. هذه الاحتجاجات، التيتُنظَّم تحت شعارات تطالب بإصلاحات جوهرية داخل النظام التعليمي الطبي، تزايدت حدتها مع لجوء السلطات إلىمنع الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، أحيانًا باستخدام القوة، مما أثار جدلاً واسعًا حول تدبير الحكومة للأزمة.
الطلاب الغاضبون يرون أن النظام الطبي التعليمي بالمغرب يمر بأزمة هيكلية خطيرة تستدعي تدخلاً حكوميًا عاجلاً. قائمة مطالبهم تعكس معاناة طويلة الأمد تُعبِّر عن فشل الحكومة في التعامل مع ملفات حساسة تتعلق بصحةالمواطنين. أبرز المطالب تتلخص في تحديث البرامج التعليمية حيث المناهج الطبية الحالية تُعدُّ “غير مواكبة” للتطورات العالمية في المجال الطبي، حيث يطالب الطلبة بتوفير مناهج حديثة وأدوات تعليمية متقدمة تمكنهم منمواكبة المستجدات العلمية والطبية.
أيضاً توسيع قاعدة الأطر التربوية حيث يفتقر قطاع التعليم الطبي لعدد كافٍ من الأساتذة المؤهلين للإشراف علىالطلاب، مما يؤدي إلى نقص واضح في جودة التعليم والتدريب السريري، وهو أمر غير مقبول في مهنة حساسة مثلالطب.
وينتقد الطلبة تفاوت الفرص بين خريجي الكليات العامة ونظرائهم من خريجي القطاع الخاص، حيث يطالبونبتكافؤ الفرص وتوحيد الشهادات، وإلغاء الامتيازات الممنوحة للكليات الخاصة التي تؤثر على مستقبلهم المهني.
وفي ظل البطالة المتزايدة بين الأطباء الشباب، يصر الطلبة على ضرورة خلق فرص عمل وتوفير مناصب للتخصصداخل النظام الصحي العام، ما يعكس حاجة ماسة للإصلاح في سياسات التوظيف والتدريب.
من جهة اخرى نلاحظ ضغط كبير على وزارة الصحة حيث تجد نفسها تحت ضغط متزايد، والتي حاولت امتصاصغضب الطلبة بتقديم وعود بعقد جلسات حوار ومفاوضات مفتوحة. إلا أن تلك الوعود لم تُقدَّم معها خطوات عمليةتُترجم إلى إصلاحات ملموسة. الوزارة اعترفت أن بعض المطالب “مشروعة“، لكنها أرجعت صعوبة تحقيقها إلىمشاكل هيكلية وميزانيات غير كافية، في حين يرى المراقبون أن الحكومة تتباطأ في الاستجابة لتطلعات الطلبةوتدفع نحو تأجيج الأوضاع.
هذا الأسبوع، بلغت المواجهة بين الطلبة والسلطات ذروتها عندما قررت السلطات الأمنية منع مجموعة منالاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في مدن الرباط، الدار البيضاء، وطنجة. اللافت أن بعض هذه التدخلات كانتمصحوبة باستخدام القوة لتفريق المتظاهرين، وهو ما أدى إلى وقوع إصابات واعتقالات في صفوف الطلبة. هذاالتصعيد الأمني لم يمر دون انتقادات حادة من جمعيات حقوقية ومنظمات طلابية، التي رأت في هذه الخطوة“محاولة لإسكات” صوت الطلبة بدل الاستجابة لمطالبهم.
مع تصاعد الاحتجاجات ورفض الطلبة التراجع عن مطالبهم، يبقى المشهد غامضًا ومفتوحًا على كل الاحتمالات. الطلاب يبدون إصرارًا على مواصلة التصعيد ما لم يتم الاستجابة لجميع مطالبهم دون استثناء، فيما تحاول الحكومةالحفاظ على التوازن بين الضغط الطلابي وتفادي اتخاذ خطوات تصعيدية قد تؤدي إلى شلل في القطاع الصحيالتعليمي.
تعكس الاحتجاجات الحالية أزمة عميقة في النظام التعليمي الطبي بالمغرب، وهي أزمة لا يمكن حلها بالوعود أوبتدخلات أمنية قمعية. إنها قضية تتعلق بمستقبل أطباء الغد وصحة المواطنين، ما يجعلها اختبارًا حقيقيًا لقدرةالحكومة على الإصلاح. إن استمرار التوتر بين الطرفين قد يجر البلاد نحو مأزق صحي وتعليمي أخطر إذا لم يتم اتخاذتدابير عاجلة وجذرية لحل هذه الأزمة التي باتت على صفيح ساخن.