في المغرب، يبدو أن مسألة احترام البيئة وقوانين النظافة تمثل تحديًا كبيرًا على المستوى الفردي والجماعي. ورغم الجهود التي تبذلها السلطات في إطلاق حملات التوعية وبرامج النظافة العامة، إلا أن الواقع يشير إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تلتزم بهذه القوانين ولا تعير اهتمامًا كبيرًا للحفاظ على المساحات الخضراء. هذا الوضع يثير تساؤلات جوهرية حول الأسباب التي تدفع المغاربة إلى هذا السلوك، وما إذا كان الأمر متعلقًا بثقافة المجتمع أو بغياب الردع القانوني.
يُعزى عدم احترام البيئة والنظافة في المغرب إلى عدة عوامل مترابطة. أولها يتعلق بالوعي البيئي لدى المواطن. فبالرغم من التحولات العالمية التي دفعت بالكثير من المجتمعات نحو تعزيز ثقافة البيئة المستدامة، إلا أن التوعية البيئية في المغرب ما زالت تواجه تحديات. غالبًا ما تُعتبر النظافة والاعتناء بالمساحات الخضراء مسؤولية السلطات أو المجالس البلدية، وليس مسؤولية فردية أو مجتمعية. هذا التصور الخاطئ يؤدي إلى تهميش دور المواطن في الحفاظ على بيئته المباشرة.
إلى جانب ضعف الوعي، تلعب الثقافة المجتمعية دورًا كبيرًا في ترسيخ هذا السلوك. كثير من المغاربة يرون أن القوانين المتعلقة بالنظافة العامة أو الحفاظ على المساحات الخضراء غير ملزمة لهم بشكل شخصي، معتبرين أن هناك تقصيرًا من طرف الدولة في توفير البنية التحتية المناسبة. على سبيل المثال، قد يجد البعض أنفسهم أمام غياب حاويات النفايات في الشوارع أو نقص واضح في خدمات جمع القمامة، مما يجعلهم يلجؤون إلى رمي النفايات في الأماكن العامة. هذا السلوك لا ينبع فقط من قلة الوعي، بل من شعور بالإحباط إزاء نقص الخدمات العامة.
هناك أيضًا مسألة تطبيق القوانين. فبالرغم من وجود قوانين بيئية واضحة في المغرب، إلا أن تفعيل هذه القوانين على أرض الواقع لا يزال ضعيفًا. غياب الرقابة الصارمة والردع القانوني يجعل المخالفين يعتقدون أنهم يمكنهم تجاهل هذه القوانين دون مواجهة عقوبات. هذا الضعف في التنفيذ يكرس سلوكيات غير مسؤولة تجاه البيئة، حيث يعتبر بعض المواطنين أن الالتزام بالنظافة العامة أو الحفاظ على المساحات الخضراء ليس ضرورة طالما لا توجد عواقب قانونية فورية.
إضافة إلى ذلك، يمكن الإشارة إلى تأثير الأنظمة التعليمية التي لم تضع البيئة والنظافة في صلب المناهج الدراسية بطريقة تعزز السلوكيات البيئية الصحيحة منذ الصغر. المدرسة المغربية لا تزال بعيدة عن تقديم برامج متكاملة حول التربية البيئية، ما يؤدي إلى نشوء أجيال لا تعي قيمة الحفاظ على المحيط الطبيعي أو الفضاءات العامة.
ولكن لا يمكن إنكار وجود بعض المبادرات الفردية والجماعية التي تسعى إلى تغيير هذا الواقع. هناك جمعيات ومبادرات مدنية تعمل جاهدة لرفع مستوى الوعي البيئي وتحفيز المواطنين على تحمل مسؤولياتهم تجاه البيئة. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير كافية في مواجهة التحديات الكبرى التي تفرضها الثقافة المجتمعية وضعف التطبيق القانوني.
في الختام، يمكن القول إن مشكلة عدم احترام البيئة وقوانين النظافة في المغرب ليست مسألة وعي فردي فقط، بل هي نتيجة لمجموعة من العوامل الاجتماعية، الثقافية، والقانونية. إذا أراد المغرب التقدم في هذا المجال، فعلى السلطات والمجتمع العمل معًا لتعزيز ثقافة بيئية مستدامة، وتوفير بنية تحتية ملائمة، وتطبيق القوانين بصرامة. فالمسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل على كل مواطن يعتبر نفسه جزءًا من هذا المجتمع ومن هذا البلد.