منذ إنشائها عام 1991، كانت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) تهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، إلى جانب تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو هدف أضحى غير قابل للتنفيذ واقعياً وسياسياً. اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، بات وجود هذه البعثة مثار جدل، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية، والدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب. فهل حان الوقت لإعادة النظر في استمرار هذه البعثة؟
ويكلف تشغيل بعثة المينورسو سنوياً ما يقارب 60 مليون دولار، تتحمل الولايات المتحدة وفرنسا وحدهما نحو 40% من هذا المبلغ، رغم اعترافهما الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ودعمهما لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ونهائي للنزاع. استمرار هذا التمويل في ظل غياب أي أفق سياسي لدور البعثة يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى الإنفاق الدولي على مهمة فقدت مبررات وجودها.
وشهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في المواقف الدولية تجاه قضية الصحراء المغربية. فمن واشنطن إلى مدريد، مروراً ببرلين ولاهاي، إلى جانب عدد متزايد من الدول الإفريقية والعربية، أصبح الاعتراف بواقعية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية قاعدة راسخة في الدبلوماسية الدولية. هذا التطور يقصي نهائياً فكرة الاستفتاء التي قامت عليها المينورسو، ويدفع باتجاه رؤية جديدة قائمة على التوافق الدولي حول سيادة المغرب.
في الوقت نفسه، أحرز المغرب تقدماً ملموساً على الأرض، حيث استثمر بشكل كبير في أقاليمه الجنوبية، معززاً البنية التحتية، والتنمية الاقتصادية، وجعل مدن الصحراء مراكز جذب واستقرار. في المقابل، لا تزال المخيمات في تندوف غارقة في الجمود، حيث تحتجز “البوليساريو” الآلاف في ظروف مأساوية، وسط غياب أي أفق سياسي واضح لهم.
صمت المينورسو أمام خروقات “البوليساريو”
على الرغم من الانتهاكات المتكررة لجبهة “البوليساريو”، خاصة في منطقة الكركرات والمناطق العازلة، لم تتخذ المينورسو أي موقف حازم إزاء هذه الخروقات، بل أصبحت في بعض الأحيان مجرد شاهد زور على تحركات مدعومة من الجزائر، دون أن تملك القدرة أو الإرادة لفرض احترام قرارات وقف إطلاق النار. هذه الازدواجية في التعامل تطرح تساؤلات حول مدى فاعلية البعثة واستقلاليتها في أداء مهامها.
السيادة المغربية موقف غير قابل للتفاوض
لطالما كان الموقف المغربي واضحاً وحاسماً: لا حل خارج إطار السيادة المغربية الكاملة، ولا تفاوض خارج مبادرة الحكم الذاتي. هذا التوجه، الذي أكدته القيادة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، بات يحظى بدعم واسع على المستوى الدولي، ما يجعل استمرار أي بعثة أممية في الأراضي المغربية أمراً يستوجب مراجعة عميقة.
ختاماً، بات وجود المينورسو أقرب إلى جزء من الماضي، حيث لم تعد المعركة تُخاض في أروقة الأمم المتحدة، بل في ميادين الاستثمار، والتنمية، والاعتراف الدولي المتزايد بالسيادة المغربية. ومع إدراك المجتمع الدولي أن الحل يكمن في الواقعية السياسية، فإن تقييم مستقبل البعثة الأممية بات ضرورة ملحة، وربما يكون رحيلها مسألة وقت ليس إلا.