في السنوات الأخيرة، أصبحت التفاهة هي المسيطرة على المشهد الإعلامي في المغرب، حيث شهدنا انتشارًا واسعًا للمحتويات السطحية التي تفتقر إلى العمق الفكري والثقافي، ولكنها تحقق نسب مشاهدات خيالية. هذه الظاهرة لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة لمجموعة من العوامل التي دفعت المحتوى الهابط إلى الصدارة، وأثرت بشكل كبير على طبيعة الذوق العام.
أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الانتشار هو السعي المتزايد نحو الربح السريع. في عالم الإعلام الرقمي، أصبحت نسبة المشاهدات هي العامل الأهم الذي يحدد نجاح أي محتوى، وهذا ما دفع العديد من المنتجين إلى تفضيل البرامج التي تجذب الانتباه بسرعة، حتى لو كانت خالية من أي قيمة فكرية أو ثقافية. المحتوى السطحي والمثير للجدل أصبح وسيلة سهلة لتحقيق الإيرادات من خلال الإعلانات والرعايات، ما جعل الكثير من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة تتبع هذا التوجه.
من جهة أخرى، طرأت تغيرات على الذوق العام، حيث أصبح الجمهور يميل أكثر نحو الاستهلاك السريع للترفيه الخفيف. التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع المغربي جعلت الكثيرين يفضلون الهروب إلى عالم من التسلية السطحية التي لا تتطلب أي مجهود فكري. وهنا تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا، إذ ساهمت منصات مثل يوتيوب، تيك توك، وإنستغرام في جعل المحتوى السطحي ينتشر كالنار في الهشيم. هذه المنصات تعطي الفرصة لأي شخص بأن يصبح صانعًا للمحتوى، ما أدى إلى بروز “نجوم” يعتمدون على إثارة الجدل أو تقديم ترفيه خفيف لجذب المتابعين.
إلى جانب هذه العوامل، لا يمكن إغفال دور التعليم في تشكيل وعي الجمهور. في المغرب، لا يزال النظام التعليمي يعاني من تحديات كبيرة، من بينها غياب التركيز على تعزيز التفكير النقدي والوعي الإعلامي. هذا الضعف ساهم في جعل شريحة كبيرة من الجمهور غير قادرة على التمييز بين المحتوى ذي القيمة والمحتوى الهابط، ما عزز من انتشار التفاهة.
لكن، ما هي تداعيات هذه الظاهرة على المجتمع؟ تأثير التفاهة على الثقافة العامة في المغرب يبدو واضحًا. مع تراجع الاهتمام بالمحتوى الثقافي والفكري، أصبحنا نشهد تراجعًا عامًا في مستوى النقاشات العامة ونوعية المواضيع المتداولة. كما أن المحتويات السطحية التي تعتمد على الإثارة والجذب الفوري تعمل على تشويه القيم المجتمعية، حيث تروج لمفاهيم النجاح السريع والشهرة دون جهد أو مساهمة حقيقية.
الإعلام التقليدي أيضًا لم يكن بمنأى عن تأثير هذه الظاهرة، حيث وجدت بعض المؤسسات الإعلامية نفسها مضطرة لمجاراة هذا التيار من أجل الحفاظ على جمهورها، ما أدى في بعض الأحيان إلى فقدان مصداقيتها وتراجع ثقة الجمهور بها. وفي ظل هذه الظروف، أصبح من الصعب على الإعلام الجاد والمحتوى الهادف أن يجد مكانه في المشهد الإعلامي الحالي.
في النهاية، تبقى مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة مشتركة بين مختلف الفاعلين في المجال الإعلامي، من صناع المحتوى إلى الجمهور نفسه. إذ أن هناك حاجة ملحة لمطالبة وسائل الإعلام بتقديم محتوى يرتقي بالعقل ويمثل قيمة مضافة للمجتمع.