في حي أرض الدولة بمدينة طنجة، تتجلى ظاهرة التشرّد والإدمان بشكل واضح من خلال وجود عدد كبير من الأشخاص في وضعية الشارع، يتجولون بين الأزقة والساحات، أحياناً في حالة هيجان أو لا وعي، وأحياناً أخرى في صمت ثقيل لا يُفسَّر. ينظر إليهم كثيرون كخطر يهدد الأمن العام، لكن نظرة أعمق قد تطرح سؤالاً مشروعاً حول السياق الذي أفرز هذا الواقع: هل نحن أمام أفراد اختاروا الشارع، أم أن الشارع كان خيارهم الوحيد بعد سلسلة من الانقطاعات الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية؟
والعديد من هؤلاء الشباب لم يولدوا في الشارع، بل وجدوا أنفسهم فيه بعد ظروف قاسية. بعضهم مرّ بتجارب عنف أسري، آخرون تخلت عنهم أسرهم بسبب الإدمان أو المرض، وهناك من عاشوا داخل مؤسسات الرعاية إلى أن تجاوزوا السن القانوني، ليُتركوا دون متابعة أو مواكبة. عند غياب فرص الشغل أو التكوين، يصبح الشارع بديلاً قاسياً لكنه متاح، فيما تشكل المواد المخدرة وسيلة للهروب من واقع صعب أكثر من كونها هدفاً في حد ذاته.
وتعبّر الساكنة عن قلقها المتزايد، خصوصاً مع تفشي بعض السلوكيات المرتبطة بالإدمان، كالسرقة أو التهديد، معتبرة أن هذا الوضع لا يمكن السكوت عنه. غير أن الحلول التي تُطرح غالباً ما تكون أمنية، تركز على الاعتقال أو الإبعاد، دون التطرق إلى الأسباب البنيوية التي تقود إلى التشرّد والانحراف.
وفي المقابل هناك نقص واضح في المراكز المتخصصة في إعادة التأهيل أو الاستقبال المؤقت للأشخاص في وضعية الشارع، كما أن أغلب المبادرات الجمعوية تظل محدودة في إمكانياتها، مما يصعب عملية التتبع والدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء. وغياب استراتيجية عمومية شاملة يجعل هذه الفئة عالقة بين الشارع والسجن، دون أفق واضح.
و إن الظاهرة لا تخص طنجة وحدها، لكنها في هذا الحي تحديداً تبرز بشكل لافت، نظراً لموقعه الحيوي وكثافته السكانية. وبين النظرة المجتمعية الرافضة، وواقع التهميش الذي يُنتج باستمرار فئات جديدة في الهشاشة، تظل الأسئلة قائمة حول مصير هؤلاء، وعن مسؤولية المجتمع والدولة في إعادة الاعتبار لكرامة الإنسان، بغض النظر عن وضعه الحالي.