ونحن في سنة 2025 تعرف طنجة تحوّلًا نوعيًا على مختلف المستويات، فقد أصبحت المدينة المتوسطية بوابة اقتصادية كبرى للمغرب تضاهي في بنيتها التحتية وتنميتها العمرانية كبريات الحواضر العالمية من الميناء المتوسطي إلى المناطق الصناعية الضخمة، ومن الفنادق الفاخرة إلى الأبراج الشاهقة، بات يُنظر إلى طنجة على أنها نموذج للمدينة المستقبلية في شمال إفريقيا.
غير أن خلف هذه الواجهة المتألقة، يختبئ مشهد آخر لا يليق بصورة المدينة الحديثة: معاناة آلاف العاملات في قطاع الخياطة والنسيج في ظل غياب أبسط شروط الكرامة داخل وحدات الإنتاج.
ففي قلب هذه المعامل التي تُعدّ من ركائز الاقتصاد المحلي، تشتغل نساء في ظروف مرهقة ولساعات طويلة، دون أن تتوفر لهن فضاءات مخصصة للاستراحة أو أماكن لائقة لتناول وجبة الغذاء وفي أوقات الراحة تخرج العاملات إلى الأرصفة، يفترشن الأرض أو الكراطين تحت أشعة الشمس أو يجلسن بجانب الحيطان في الأزقة بحثًا عن ظل أو مساحة قليلة من الخصوصية.
هذا المشهد اليومي الذي يتكرر في عدد من المناطق الصناعية بطنجة، يطرح أسئلة جوهرية حول مدى احترام حقوق العمال والعاملات، ودور الجهات الوصية في مراقبة ظروف العمل داخل القطاع الخاص، خاصة وأن المغرب يُفاخِر عالميًا بتطوره في مجال التصنيع وتوفير فرص الشغل.
فأين هي المسؤولية الاجتماعية للمقاولات؟ وأين هي الرقابة من طرف مفتشيات الشغل؟
هل يليق بمدينة تطمح لتكون “شنغن إفريقيا” أن تستمر في التغاضي عن أوضاع لا إنسانية لعاملات يشكلن جزءًا من نسيجها الاقتصادي والاجتماعي؟
إن التقدّم الحقيقي لا يُقاس فقط بالمشاريع الكبرى، بل بمدى احترام كرامة الإنسان في تفاصيل الحياة اليومية وكرامة المرأة العاملة في معامل طنجة يجب أن تكون أولوية في أي نموذج تنموي يدّعي العدالة والإنصاف.